الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرةٌ عظيمة من شعائر الإسلام , بسببه نالت هذه الأمة خيريَّتها , وبه تميزت عن سائر الأمم , قال تعالى: (( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ )) (آل عمران: 110) .
الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر والأخذ على يد السَّفيه حصنٌ حصين من المحن , ودرعٌ يقي من الشُّرور والفتن , وأمانٌ تحفظ به حرمات المسلمين , به تظهر شعائر الدين وتعلو أحكامه , ويعز أهل الإيمان ويذل أهل النفاق والطغيان .
قال الإمام سفيان: (إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر أخيك , وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق).
أهل الإيمان وُصفوا في القرآن بأنهم: (( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) (التوبة 71) .
بينما وصف أهل النفاق بأنهم (( يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) (التوبة:67) .
من قام بالمعروف والنهي عن المنكر مكَّنه الله ونصره , وأيَّده الله وسدَّده , قال سبحانه وتعالى: (( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)) (الحـج: 40-41) .
إذا فشا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تميَّزت السنة من البدعة , وعُرف الحلال من الحرام , وأدرك الناس الواجب والمسنون , والمباح والمكروه, ونشأت النَّاشئة على المعروف وألفته , وابتعدت عن المنكر واشمأزَّت منه . [توجيهات وذكرى 1/47].
وإن العاقل إذا تأمل في كثيرٍ من المجتمعات التي ضعف فيها جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يرى جهلاً بالسنن , وانتشارا للبدع , وإهمالاً للصلوات , واتِّباع للشهوات . وأن من سنن الله الماضية أن يسلط عقوبته على المجتمعات التي تهمل هذه الشعيرة .
قال الله جل وعلا: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )) (المائدة 78-79).
وإذا أُعلن المنكر في مجتمع ولم يجد من يقف في طريقه فإنه سيقوى ويكثر الخبث وعند ذلك يحلُّ بالأمة العذاب والهلاك .
ففي الصحيحين من حديث زينب رضي الله عنها أنها قالت : ((يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: ((نعم , إذا كَثُرَ الخَبَث)).
ومما أُثر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله : ( كان يُقال: إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصَّة ولكن إذا عُمِل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم ) ( إن وجود المصلحين في الأمة هو صمَّام الأمان لها , وسبب نجاتها من الهلاك العام , ولهذا قال تعالى: ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) (هود: 117) ولم يقل صالحون.
وروى أبو داوود والترمذي عن أبي بكر الصديق t أنه قال : ((أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)) وإني سمعت رسول الله r يقول: ((إنَّ الناس إذا رأوُا الظالم فلم يأخُذوا على يديه أوشكَ أن يعمَّهم الله بعقابٍ منه)).
وفي المسند وسنن الترمذي عن حذيفة t أن النبي r قال : ((والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهَون عن المنكر أو ليوشِكنَّ الله أن يبعثَ عليكم عقاباً منه , ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم )).
إنه تهديد يهزُّ القلوب الحية , ويحثُّ على المسارعة إلى إحياء هذه الشعيرة والعمل بها وحمايتها والدفاع عن القائمين بها.
أنه لو طُوي بساط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأُهمل علمه وعمله لتعطَّلت الشريعة , واضمحلَّت الديانة , وعمَّت الجهالة , وفشت الضلالة , واستشرى الفساد , وهلك العباد وحينئذ يحل عذاب الله وإن عذاب الله لشديد.
(إنَّ فَشْوَ المنكرات وعدم تغييرها يؤدي إلى سلب نور القلب وانطفاء جذوة الإيمان وموت الغيرة على حرمات الله , فتسود الفوضى , وتنتشر الجريمة , ثم يحيق بالقوم مكرُ الله , حتى إن كثرة رؤية المنكرات يقوم مقام ارتكابها في سلب القلب نور التمييز وقوة الإنكار). [توجيهات وذكرى لابن حميد 1/48].
لأن المنكرات إذا كَثُرَ على القلب ورودها, وتكرر في العين شهودها , ذهبت من القلوب وحشتها فتعتادها النفوس فلا يخطر على البال أنها منكرات ولا يميز الفكر أنها معاصي.
إن الخوف كل الخوف من تأنيس القلوب بالمنكرات لأنها إذا توالت مباشرتها ومشاهدتها أَنِسَت بها النفوس فلم تتأثر عند رؤيتها.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعلمٍ وحلم , ورفقٍ وصبرٍ بالحكمة والموعظة الحسنة بكل وسيلةٍ مباحة متاحة , سواء كان ذلك عن طريق الكلمة الهادفة , أو الكتيِّب المناسب , أو النَّشرة الصغيرة , أو الشريط المفيد , أو الهاتف أو الجريدة أو الرسالة الشخصية أو غير ذلك من الوسائل التي تقطع المنكر وتنهيه أو تخفِّفه وتُضعف منه , والدال على الخير كفاعله , والمسلمون نَصَحَة , والمنافقون غَشَشَة , ومن يتحرى الخير يُهْدَ إلى طريقه , ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يُمَهِّدُون.
الحِسبة في الإسلام كانت بنياناً شامخاً في الأمة , وكان لها دورٌ لا يُنكر في حماية الشرع والذَّبِّ عن الدِّين والعرض وإنكار المنكرات.
وبلادنا حماها الله من كل سوء والتي امتازت بهذه الميزة بين البلاد الأخرى لم تبتدع بدعة ليس لها مثال سابق إنما هو إحياء لشعيرة عظيمة كانت موجودة فيما مضى.
إنَّ رجال الحسبة (أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في مجتمعنا يقومون بواجب عظيمٍ , فهم ينوبون عن الأمة في إنكار المنكرات العامة , ويبذلون جهوداً عظيمة في دفع الفساد عن مجتمعاتنا , فهُم الجنود المجهولون , يسهرون لحماية أعراض المسلمين , ويجتهدون في كفِّ الفساد والمفسدين , ويعملون أوقاتاً طويلة خارج دوامهم , فللَّه كم من رجلٍ منهم سطع عليه الفجر وهو ساهرٌ على أعراض من لم يتورَّعوا عن الخوض في عِرضه , وكم من مسلمةٍ حصان رزان كاد يدنَّس عِرضها فأدركوها بعد رحمة الله في اللحظات الأخيرة وكم من عائلةٍ شريفة عفيفة حَمُوها من تدنيس السُّمعة وتلطيخ الشرف .